كلما ذُكر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله يُذكر معه التأثير العالمي الكبير للمملكة العربية السعودية في عهده، وهي صفة اقترنت بقوة شخصيته وحضورها وتأثيرها، ما جعله من أقوى الشخصيات تأثيراً على مستوى العالم بحسب كثير من الاستبيانات العالمية الموثوقة، إذ ظلت مجلة “فوربس” تصنفه ضمن أوائل الشخصيات الأكثر تأثيراً عالمياً، وكان اسم الملك عبدالله يأتي في المراتب الأولى في قائمة المجلة السنوية لست سنوات متتالية منذ العام 2009 وحتى 2014م (قبل وفاته بأقل من شهرين)، كما اختارته مجلة نيوزويك الأمريكية في أغسطس 2010 ضمن قائمة أكثر 10 شخصيات احتراماً في العالم.

وعلى مستوى العالم الإسلامي والدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط كان الملك عبدالله الشخصية الأولى الأكثر تأثيراً طيلة فترة حكمه، فقد تصدر رحمه الله قائمة الشخصيات الأكثر تأثيراً في العالم الإسلامي التي أعدها المركز الملكي الإسلامي للدراسات الاستراتيجية في الأردن تقديراً لجهوده في خدمة المسلمين وقضاياهم وللقبول الذي يحظى به لدى المجتمعات الإسلامية وللأعمال الإنسانية التي يقدمها.

إن قوة الشخصية وتأثيرها وحضورها التي ميَّزت الملك عبدالله بن عبدالعزيز، اقترنت بصفات جميلة تمتع بها، فقد كانت هذه الشخصية العالمية الفارضة حضورها بقوة شخصية حنونة وعطوفة سريعة التأثر بالمواقف الإنسانية كما أن الشعور بالمسؤولية الإنسانية كانت هي الصفة الأبرز في شخصية الملك عبدالله، وقد سُجلت أحداث عدة لم يستطع فيها الملك عبدالله تمالك نفسه أمام العامة متأثراً بمواقف إنسانية؛ لم يستطيعا كبريائه ومكانته من أن يحولا دون انهمار دموعه.

لقد نال الملك عبدالله احترام وتقدير العالم كزعيم عالمي استثنائي، ليس للقوة والشجاعة التي عرف بها وحسب بل أيضاً بالمحبة التي فاضت بها مشاعره على كثير من الناس في كثير من بقاع العالم، فبادله الناس الحب بالحب والعطاء بالوفاء والذكرى العطرة.

امتزجت صفات الشجاعة ونبل الأخلاق في هذا الملك الاستثنائي بمشاعر الإنسانية الفياضة، ما جعله أحد أهم المبادرين لصناعة السلام في العالم، وقد استطاع إحداث أثر كبير وبناء أساس متين لصناعة السلام العالمي، مدعوماً بصفات شخصية كثيرة تجلت فيه كميله للحوار وتميزه بالاستماع للآخرين والأخذ بمشورتهم، إضافة إلى شفافيته ووضوحه وصراحته وتواضعه وبساطته وروحه المبادرة والكاريزما المؤثرة التي تمتع بها الملك عبدالله وعرفه الناس وأحبوه لها.

إن مجموع هذه المزايا في شخصية الملك عبدالله تبلورت جميعها في أهم الصفات التي ميزته كقائد وهي الحكمة والحلم. وقد كان من أكثر الحكام في العالم الذين أحب الناس أن يطلقوا عليهم ألقاباً وكُنى تُعبّر عن مشاعر الحب تجاههم، رغم اعتراضه على بعض هذه الألقاب التي كانت تصطدم بتواضعه الجم. وأكثر الألقاب التي لازمت الملك عبدالله لقب “ملك الإنسانية”، إضافة إلى كثير من الألقاب الأخرى مثل “ملك المبادرات” و”ملك الإصلاحات”.

وكان الملك عبدالله، يرفض عادة تقبيل اليد عند السلام عليه ممن يودون التعبير له عن التوقير والاحترام وحفظ المقام، وقد وجه كلمة بهذا الخصوص في أحد لقاءاته العامة قال فيها: “إن تقبيل اليد أمر دخيل على قيمنا وأخلاقنا ولا تقبله النفس الحرة الشريفة، يؤدي للانحناء، والمؤمن لا ينحني لغير الله الواحد الأحد.. أعلن رفضي القاطع لهذا الأمر”. إن الروح الإنسانية الحرة للملك عبدالله، لم تكن لترضى أن ترى إنساناً ينحني ليقبل يد آخر وإن كان فعله هذا صادر عن محبة واعتزاز ورضى كامل، لقد أراد رحمه الله أن يرى الناس جميعاً متساوون معتزون بأنفسهم وفق تصوره للحياة الإنسانية الكريمة.

على الصعيد المحلي للمملكة العربية السعودية، جسَّد الملك عبدالله بن عبدالعزيز مشاعر الأبوة لشعبه، من خلال لمساته الحانية إلى جانب اضطلاعه بقيادة عجلة التنمية إلى مستويات غير مسبوقة في البلد، فقد كان –رحمه الله- سريع الاستجابة بتعزيز ودعم الإعانات للفئات المحتاجة وصرف التعويضات للمتضررين سواء من موجات البرد أو السيول التي كانت تجتاح بعض مناطق البلاد، إضافةً إلى عفوه في أكثر من مناسبة عن المتوفين المقترضين من صندوق التنمية العقارية وبنك التسليف. وقد عُرف بعفوه عن سجناء الحق العام الذين يثبت التزامهم وتصحيحهم لسلوكهم قبل انتهاء فترة عقوبتهم، ليعودوا مواطنين صالحين فاعلين ومنتجين يكملون حياتهم الاجتماعية بين ذويهم، كما عُرف بعفوه عن المعسرين في السجون وسداده عنهم المبالغ المالية التي عليهم. وقد تجلَّى حبه للعفو وميله للتسامح بعفوه بعد تسلمه مقاليد الحكم عن المتهمين بمحاولة اغتياله حين كان ولياً للعهد عام 2003 والتي أثبتت التحقيقات تورط جهة خارجية بالوقوف وراء المحاولة.

ورغم مشاعر المسؤولية التي سيطرت على الملك عبدالله تجاه كل ما هو إنساني، إلا أن مشاعر الأبوة تجاه الأطفال في أي مكان في العالم، كانت لها خصوصية بارزة في نفسه، فقد رعى بصفة شخصية قرابة 30 عملية أجريت في المملكة لفصل توائم سياميين من بلدان عدة تم استضافتهم برعاية كريمة منه. وقد أثمر هذا الاهتمام الخاص من الملك عبدالله بإنهاء معاناة التوائم السياميين بأن أضحى مستشفى الملك عبدالله التخصصي للأطفال بمدينة الملك عبدالعزيز الطبية بوزارة الحرس الوطني أهم مستشفيات العالم التي تجري هذا النوع من العمليات الجراحية الأكثر تعقيداً، كما يعد الأول عالمياً الذي تمّ فيه فصل أكبر عدد من ملتصقي الرأس السياميين. ويتضح اهتمامه ورعايته للأطفال من خلال التركيز على قضاياهم ومنحها خصوصية رعايته، فرغم أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز أولى اهتمامه بالمعاقين كافة من خلال رئاسته المجلس الأعلى للمعاقين قبل توليه الحكم ومنح المعاقين امتيازات جمة تشريعية وخدمية وتسهيلات عدة بعد توليه الحكم، إلا أن الأطفال المعاقين تحديداً شملتهم عناية ملكية خاصة وكريمة من لدنه، ويتضح هذا من خلال إنشاء مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز لرعاية الأطفال المعوقين.

إن مشاعر الأبوة بحنانها وعطفها التي امتازت بها شخصية الملك عبدالله بن عبدالعزيز لم تنسَ الأطفال ممن تيتموا جراء إعصار تسونامي الذي اجتاح إقليم آتشيه في اندونيسيا في 26 ديسمبر 2004م. فحينها أصدر توجيهاته السامية الكريمة ببدء برنامج عاجل للمساعدات الإنسانية لمواجهة آثار وتداعيات كارثة تسونامي، وخُصص ضمن البرنامج من القلب الرحيم للأب الكبير ما يعنى بالأطفال الأيتام؛ إذ كفل بنفسه 2000 يتيم، ما حذا بآخرين الحذو على طريقه رحمه الله، حتى وصل عدد المكفولين في برنامج “فاعل خير” الذي موّله رحمه الله إلى 5310 يتيماً. وكان رحمه الله دائم السؤال عنهم وعن أحوالهم وتفقد احتياجاتهم، كما أستقبل عدداً منهم أثناء دعوته لهم لأداء فريضة الحج، ودعوات أخرى لأداء العمرة.

إن ما يميز سيرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز أنها باقية في وجدان الأجيال كما هي محفورة في صفحات التاريخ. فقد وصلت مشاعر الإنسان الأب إلى قلوب كل الأطفال في كل مكان، الذين كان يحمل لهم مشاعر الأبوة الحانية، وهو ما عبر عنه الأطفال العرب بمنحه “وسام الأبوة العربية” نهاية عام 2011م وقامت بتسليمه نيابة عن الأطفال سفيرة الأمم المتحدة للخدمات الإنسانية وبرعاية من الأمين العام لجامعة الدول العربية. كما أراد من جانبهم الأطفال المعوقين مبادلته الحب والوفاء بمنحه عام 1430هـ جائزة جمعية الأطفال المعوقين للخدمة الإنسانية تقديراً لريادته ودوره في دعم جمعية الأطفال المعوقين ومساندة برامجها الوطنية، واهتمامه بإحداث نقلة شاملة للتصدي لمشكلة الإعاقة في السعودية، وقايةً وعلاجاً.

لقد تجاوزت اللفتات الإنسانية الكريمة من قبل الملك عبدالله تجاه الناس من كل مكان، من تلبية حاجاتهم الملحة إلى تحقيق أمنياتهم الكبيرة، خاصة أولئك المعسرون الذين تمنوا أن يحققوا أمل حياتهم في الحج إلى بيت الله الحرام، فكان رحمه الله يستضيف آلاف الحجاج سنوياً على نفقته الخاصة، وليس هذا سوى استشهاد بسيط من كثير أفعال أسعد بها قلوباً كثيرة بتحقيق أمنياتها. لقد كان مبلغ سعادته أن يرى الناس سعداء، أما عن حاجات الناس الضرورية فيكفي أن نختصر ونستشهد بحصوله على جائزة “البطل العالمي لمكافحة الجوع عام 2008م” من برنامج الغذاء العالمي.

لعل “ملك الإنسانية” هو اللقب الأقرب للملك عبدالله في الذاكرة الجمعية، ليس لشعب المملكة العربية السعودية وحسب، بل شعوب دوّل عدة في العالم، فقد وضع هذا الملك بصماته الإنسانية في عديد بلدان حول العالم، من خلال استجابته العاجلة للغوث في مواجهة الكوارث في بلدان عدة مرت بمحن طبيعية وكوارث. أما مشاريعه ذات الاستدامة والأثر الاستراتيجي لخدمة الناس فهي كثيرة، ولا نفوت أن نتذكر اليوم مشروعه العالمي المتميز “رسل السلام” الذي يهيئ شباب الكشافة حول العالم ليكونوا رسلاً للسلام وإنهاء الصراعات. وقد مر أثره في دول أوروبية عدة وفي وسط أمريكا كالسلفادور، إضافة إلى هاييتي والفلبين وأرمينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وسلوفينيا والبوسنة وكينيا وأثيوبيا ودولاً عربية ودولاً في آسيا والباسفيك.

أما عن برنامجه “فاعل خير” الذي لم يكشف عمن يقف خلفه إلا بعد وفاته، فقد نفذته مجموعة البنك الاسلامي للتنمية لتلبية احتياجات كثير من المجتمعات في آسيا وأفريقيا. وقد غيرت مشاريع هذا البرنامج العملاق من حياة كثير من الناس إلى الأفضل في المناطق المستهدفة مثل بنغلاديش، ميانمار، إقليم آتشيه بإندونيسيا، اليمن، باكستان، الهند، أفغانستان، طاجيكستان، قرغيزستان، الصومال، النيجر، غينيا، وليبريا، سيراليون، وغيرها.